كيفَ نُضِرُّ أنفسَنا عندَما نحدّدُ توقُّعاتنا لتعلُّمِ اللغةِ العربيةِ | How We Hurt Ourselves when We Set Low Expectations for Learning Arabic
يُواجِهُ تعلُّمُ العربية كلُغة ثانية أو كلغةٍ أجنبية تحدياتٍ كثيرةً، كما عُولج في تقارير على الانترنت وكذلك في مقالاتٍ أخرى. ولكنْ هناك مشكلةً صغيرةَ فيما يدورُ من حديثٍ فيها، وهي التوقعاتُ المحدودةُ لتعلُّمِ الطلابِ للغةِ العربيةِ، أو بشكلٍ عامٍ لتعلُّمِ الدارسينَ الأجانبِ. بالإجمالِ هناك توقُّعٌ مسبقٌ بأنَّ العربيةَ صعبةَ التعلُّم دائمًا،ِ ولذا لنْ يُحسِنَها دارسوها، مما يمنَعُهُم مِنْ التقدُّمِ، وهذا يؤخِّرُهُم وَيؤثر على مَجالِ دراسةِ العربيةِ بالإجمال، بِقَدْرِ أيِّ تحدٍ أخرٍ يُواجَهُ في دراسةِ العربيةِ، ويمكنُ القول إنَّ أولَ شيءٍ يجبُ تغييرهُ هو وجهةُ نظرِنا للعربيةِ، قبلَ أنْ نجرِّبَ تغييرَ المِنهاجِ الدراسيِّ.
دعونا نفصِلُ بينَ الناسِ الذين لديهِم دورٌ في تعلُّمِ وتعليمِ اللغةِ العربيةِ، ونُمعِنُ النظرَ في كلِّ فصيلٍ. أولًا هناكَ الأساتذةُ، الذين يؤمنونُ بشكلٍ عامٍ بأنَّ العربيةَ صعبةً لدرجةِ أن الطلبةَ، حتى بعدَ أربع سنواتٍ من الدِرَاسةِ، لا يستطيعونَ أنْ يتكلموا بسلاسَةٍ. قد تنبُتُ المشكلةُ من أنَّهُ ليس بِقدرةِ أبناءِ العربيةِ الكلامُ بِالعربيةِ بشكلٍ سلسٍ، حيثُ يوجد القليلُ من أبناءِ العربيةِ يتقنونَ اللغةَ الفصيحةَ (وطبعاً يجدرُ الأخذُ بعينِ الاعتبارِ نسبةَ الأميةِ بالبلادِ العربيةِ في هذهِ الأيامِ)، وإذا كانت اللغةُ صعبةً لهذه الدرجةِ، فكيفَ نتوقَّعُ ان يتحدثَ بها أبناء لغةٍ أخرى؟ علاوةً على ذلك فَهُناكَ اللَهجاتُ الكثيرةُ المتنوِّعةُ وغيرُ المفهومةِ قواعدياً من حيث يَقولُ الكثيرُونَ أنَّهُ ليس لدى اللهجاتِ قواعدُ ثابتةٌ، ولذا فمنَ المستحيلِ تعليمُها. وعندَما نتكلمُ عن الأساتذةِ الذين هم أيضاً أبناءُ هذهِ اللغةِ ودرسوا بجامعةٍ عربيةٍ، من الجديرِ بِالذكرِ أنه من الأرجح أن تؤثرُ تجاربُهُم بالجامعاتِ في وجهةِ نظرِهِم، فإنَّ الجامعاتِ العربيةِ معروفةٌ بتعليمِها الضعيفِ الجودةِ، وبكيفيةِ تقدُّمِ الطلابِ بالواسطةِ بدل المذاكرةِ والجهدِ.
لا يساعدُ الأساتذةُ الاجانبُ بهذا الأمرِ أيضاً، خصوصاً أنَّ الكثيرَ منهُم لا يتكلمونَ العربيةَ بِطلاقةٍ، سواءً كانت الفصحى او عاميةً ما، لدرجةِ أن ثمةَ فصولًا بالدراساتِ العليا، بالأَدَبِ العربيِّ أو الصَرفِ والنحوِ مثلًا، تُعلَّمُ بالانكليزيةِ. ووراءَ كلِّ هذا نفسُ سقفِ التوقعاتِ المتدني، يعني: العربيةُ صعبةً جداً، ولعلَّ هناكَ افتراضاً بأنهُ اذا لم يكن هناك احدٌ يتكلمُ العربيةَ الفصحى بسلاسةٍ، فلماذا نُزعِجُ أنفسَنا وطلابَنا باستخدامِها وسيلةً للتعليمِ؟
إنّ الطلابَ أيضًا لديهِم ضِلْعٌ في تحديدِ توقعاتِهِم. لا أستطيعُ أنْ أقولَ ما إذا كان الطلابُ يشعرونَ بالاكتئابٍ بعدَ دخولهم لأولِ فصلٍ وبأنهم لن يحصّلوا أبداً مستوىً متقدماً مثلَ ما سيحصلونَهُ لو درسوا لغةً "أبسط" مِثلَ الإيطاليةِ أو حتى الفارسيةِ بَدَلَ العربيةِ، ولكنني أعرفُ أنَّ بعدَ عامٍ أو عامَينِ يتبنّونَ هذا الموقفَ السلبيَّ الذي يُضِرُّهُم أولا وقبلَ أي شيءٍ آخرٍ، ولذا من مصلحِةِ الطلابِ أن يَرفعوا سقفَ توقعاتِهِم.
إنَّ هذه التوقعاتِ المحدودة المتدنية تؤثرُ في المنهاجِ الدراسيِّ وواجباتِ الفصولِ، فإن المعلِّمينَ، مثلًا، لا يعطون إلا أبسطَ الواجباتِ، مثلَ إملاءِ الفراغاتِ وحِفْظِ المُفْرَدَاتِ، التي لا تتحدى الطلابَ، وحتى على المستوى المتقدِّمِ فيعتبرونَ كتابةَ فقرةٍ طولُها مئةُ أو مئتا كلمةٍ صعبةً! بالمقارنةِ، قالَ أستاذي لفصلِ تاريخِ الولاياتِ المتحدةِ (بدراساتِ البكالوريوسِ وليسَ بدراساتِ الماجستيرِ، لأكونَ واضحًا)، إنَّه يتوقعُ أن نَقضي بينَ ساعتَينِ وثلاثٍ بالمذاكرةِ خارج الفصل لِكلِّ ساعةٍ بالفصلِ، يعني لفصلٍ حصتُهُ ثلاثُ ساعاتٍ بالأسبوعِ فالمتوقَّعُ مِنَّا كان مذاكرةً بينَ ستٍ وتسعِ ساعاتٍ كلَّ أسبوعٍ. لم أشعرْ بهذا الضغطِ من أيِّ فصلِّ عربيِّ، إلا إذا ضغطتُ أـنا على ذاتي. وبهذا أريدُ أن أقولَ للطلابِ، حتى إذا لم يكنْ بقدرتِكُم تغييرُ معلميكُم فبإمكانكم أن تدفعوا أنفسَكُم لتتحسَّنوا وأن تتفوقوا على توقعاتِ الناسِ.
إنَّ موقفَنا من تعلُّمِ العربيةِ تؤثرُ أيضاً في مجالِ العملِ، فإن الخريجين يأتون إلى مدينةٍ مثل واشنطن يبحثونَ عن فرصِ العملِ ويزعمونَ أنَّهُم متمكنونَ باللغةِ العربيةِ. وبعدَ توظيفِهِم يتبيَّنُ أنهُم لا يستطيعونَ قراءةَ مقالةِ جريدةٍ من دونِ قاموسٍ، وبِذلكَ تُبنى توقعاتُ الموظِّفينَ بأنَّ العربيةَ صعبةٌ ويجبُ أـن يوظِّفوا أبناءَ اللغةِ لمهاراتِهِم اللغويةِ، في حينِ يجبُ أن يوظِّفوا غيرَ العربِ (يعني الغربيين) لِمَهاراتِهِم غير اللغويةِ والثقافيةِ. وهذا بدورِهِ يؤدِّي أولاً إلى التَمييزِ بينَ الأجانبِ والعربِ بِمَا أنَّ الاجانِبَ يُصبِحونَ المدراءَ والعربَ يصبحون المترجمِين والموظَّفين الصِغارَ ويؤدي ثانيةً إلى سوءِ تصميمِ المشاريعِ والبرامجِ إذ أنَّ المدراءَ لا يفهمونَ لغةَ ولا ثقافةَ البلادِ التي يعملونَ فيها. من أوضحِ الإشاراتِ على أنَّ هذه التوقُّعاتِ وَصَلَتْ للمنظماتِ في واشنطن والإداراتِ الحكوميةِ هي أنَّ اللغةَ االعربيةَ من المِهاراتِ المطلوبةِ في معظمِ إعلاناتِ الوظائفِ الشاغرةِ ، ولكنْ، ومن تجربتي، فإنَّ قليلًا من الأجانِبِ الذين يعملونَ في برامجِ التنميةِ هذه يتكلمونَ العربيةَ من الأساسِ، وقد التقيتُ بواحدٍ أو اثنينِ يُتْقِنُون اللغةَ. (يجدرُ أن ألاحظَ هنا أن هذا الموضوعَ، ولا سيما فكرةُ التمييزِ ببرامجِ التنميةِ، معقَّدٌ ولكنّني أريدُ هنا أن أركِّزَ فقط على فكرةِ التوقُّعاتِ المتدنيةِ وتأثيرِها السلبيِّ)
بكلِّ البَسَاطَة فإذا لم يُرِد المعلمونَ والطلابُ أن يرفعوا توقعاتِهِم عالياً، فلن يشعرْ دارسو اللغةِ بالضغطِ وبالرغبةِ بأنْ يتطوروا ويتحسنوا، ولن يستطيعوا حتى أن يتصوروا أن بإمكانِهِم أن يحسِنُوا لغتَهُم العربيةَ وأن يتحدثوا بها بسلاسةٍ.